موضوع: منهج الاستنباط من القرآن الأربعاء يونيو 27, 2012 12:58 am
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. نسمع كثيراً عن استنباط الأحكام من الآيات القرآنية،ولا بأس من أن نتعرف على كيفية وآلية هذا الاستنباط وشروطه وضوابطه مستعينين بالله وحده لا شريك له وهو ولي التوفيق. تعريفه: الاستنباط: لغة الاستخراج،وشرطه الخفاء،واصطلاحاً،قال الجصاص:"اسم لكل ما استخرج ليكون ظاهراً للعيون"،و هو أخص من الاستدلال،فالاستدلال يشمل الخفي والجلي،والاستنباط يقتصر على الخفي فقط. وتعريف الاستنباط :هو استخراج ما خفي من النص بطريق صحيح. والاستنباط شامل،وبناءاً على هذا فمن قال بأن القرآن شامل للعلوم الشرعية دون الحاجة للسنة المطهرة فقوله فاسد،وهو قول منكري السنة على وجه الخصوص. والكثيرون على أن القرآن شامل للعلوم الشرعية بالكامل بالنص،وبالإحالة (إلى موضع آخر ) ،وبالإشارة (التلميح المجمل)،وهؤلاء قولهم صحيح لأنهم أثبتوا الأصل مع إقرارهم بالحاجة للسنة المطهرة. والاستنباط ممكن من جميع النصوص القرآنية على تنوعها،والحروف المقطعة في فواتح السور لشد الانتباه وجذب الناس. وينقسم الاستنباط باعتبار وضوح النص إلى: استنباط من نص واضح،واستنباط من نص غير واضح. وينقسم باعتبار الإفراد والتركيب إلى:استنباط من نص واحد، واستنباط من أكثر من نص. وينقسم باعتبار الصحة إلى:استنباط صحيح،واستنباط باطل. وينقسم باعتبار موضوعه إلى : فقهي ،وعقائدي ، وسلوكي. وينقسم باعتبار آخر إلى:كلي ، وجزئي. والاستنباط يتطلب أمرين رئيسيين:صحة دلالة النص على هذا المعنى،وصحة المعنى المستنبط في ذاته. وهنا سؤال قد يتبادر إلى الأذهان،ألا وهو،إذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم قد نزل عليهم القرآن وتمت الشريعة واكتمل الدين لديهم،فهل كانوا يعلمون الحقائق العلمية المستنبطة حديثاً من القرآن التي تسمى بالإعجاز العلمي في الكون وفي جسم الإنسان؟والجواب : الحقائق الموجودة في القرآن على ثلاثة أنواع رئيسية:الحقائق اللغوية:يعلمها السلف كلهم بالسليقة وقوتهم في العربية،ومن البديهي لنا أنهم كانوا يتلون كتاب الله بدون تنقيط ولا تشكيل ودون أن يخطئوا فيه وهذا يعجز عنه الكثير الكثير من الخلف. حقائق الأخبار الغيبية:مثل يوم القيامة والبعث والنشور وتكوير الشمس تسيير الجبال و تسجير البحار والحساب والعذاب والجنة والنار،آمن بها السلف دون أن يعلموا حقيقتها ،بل إن النص القرآني يقول:" وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً" الحقائق الكونية والخلقية:مثل إنزال المطر،وتطور الأجنة،وهذه آمن بها السلف،وأما معرفة حقائقها فهي من الكمال وليس شرطاً لازماً. والاستنباطات اللغوية من قبل الخلف عبارة عن استخراج شواهد وليست استخراج معانٍ جديدة لم يعرفها السلف ،مثال الاستنباطات اللغوية:استخراج بعض القواعد النحوية. و شروط الاستنباط على قسمين:شروط المستنبِط،وشروط المعنى المستنبَط. شروط المستنبِط: 1 – صحة الاعتقاد:ويلزمها ضمناً صحة مصادر التلقي،وسلامة القصد والنية. 2 – معرفة التفسير الصحيح. 3 - العلم باللغة العربية. 4 – معرفة طرق الاستنباط. المناهج الخاطئة في الاستنباط: 1 - المنهج الحرفي:وهو التقيد في الألفاظ والغلو فيها. 2 – المنهج التأويلي: وهو في الحقيقة عند الفرق الضالة تحريف،لأن التأويل لا يصح إلى بدليل صحيح،وأما التأويل بغير دليل فهو تحريف. 3 – المنهج الباطني الإشاري الترميزي:وهو باختصار، أن يقسم القرآن على حد زعمه إلى ظاهر وباطن،و كمثال على ذلك يقول لك،الصلاة ظاهر،ولنا المعنى الباطن وهو غير الحركات والأقوال والأفعال التي تفعلونها أنتم. شروط المعنى المستنبَط: 1 – سلامة المعنى المستنبط من معارض شرعي واضح،ولا تعارض بين النصوص على الإطلاق،وكل ما يظهر في عند المبتدئين أو أهل الأهواء هو نتيجة تقصير في البحث أو قلة علم بكيفيته وآليته و إدراك كلياته وجزئياته،فإذا كان المعارض راجحاً بطل الاستنباط، وإذا كان المعارض مساوياً ننتقل إلى المرجحات الخارجية. 2 – الاحتراز من القياس فليس مدخله هنا،ومن الإشارات أيضاً لأنها جزء من القياس. 3 – الاحتراز من استنباطات الأرقام والنبوءات فكلها على الإطلاق أكاذيب،ومثالها ما يتحدث به الناس عن زوال الكيان الصهيوني في العام كذا،و كل ما يتصل من إعجاز وغير إعجاز بالرقم 19 هو من فعل الطائفة البهائية المجرمة،بالإضافة إلى انهيار مبنى التجارة العالمي ،وكنت قد فصلت بعون الله وتوفيقه الرد على هذه المسألة الأخيرة ومن أراد معرفته فليتفضل إلى هذا الرابط وليقرأ الفقرة الخامسة ففيها الرد الكامل بإذن الله تبارك وتعالى: http://www.a7babfealah.com/vb/showthread.php?t=2593 طرق الاستنباط: 1 – الدلالة الأولى دلالة الإشارة بشكل واضح،وهي ما يتبع اللفظ مباشرة من غير تجريد قصد إليه. 2 – الدلالة الثانية :دلالة مفهوم الموافقة،وهي ما ثبت ضمن معنى النص لغة لا اجتهاداً واستنباطاً،وهذا بدوره ينقسم إلى أولوي وثانوي باعتبار،وإلى قطعي وظني باعتبار آخر. 3 – دلالة مفهوم المخالفة:إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه. 4 – دلالة الاقتران:وهو الجمع بين شيئين أو أكثر في سياق واحد على اتحاد الحكم بينها. 5 – دلالة الاطراد والتتابع:وهي تتابع المعنى بشكل مطرد على سياق معين بين النصوص. أسباب الانحراف في الاستنباط: 1 – تقديم العقل على النقل،ونحن نعلم يقيناً بأن العقل الصريح لا يتعارض مطلقاً مع النقل الصحيح. 2 – التحريف المسمى كذباً وتزويراً بالتأويل،ولا سيما في باب الأسماء والصفات. 3 – رد الأحاديث الصحيحة والتفاسير المأثورة تحت أكاذيب وشبهات سخيفة،ومن أشهرها قولهم بعدم حجية خبر الآحاد ،ونجمل الرد على هذه الشبهة مستعينين بالله وحده لا شريك له: أقسام الحديث ثلاثة:صحيح وحسن وضعيف،والصحيح بدوره يقسم إلى أربعة أقسام:المتواتر – المشهور - العزيز – الغريب المتواتر: ما نقله جمع عن جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب،وحد التواتر لم يتم تعيينه من قبل العلماء،وضابطه العادة ومقتضيات كل زمان ومكان. والمشهور:ويسمى بالمستفيض على رأي للعلماء،وهو ما لم يبلغ عدد طرقه حد التواتر. والعزيز:وهو ما انتقل بطريقين . والغريب:ما روي بطريق واحد صحيح. كل الأصناف المذكورة آحاد،باستثناء المتواتر. نأتي إلى رد الشبهة:يقول هؤلاء:"نحن لا نأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما تواتر،و نرد ما سواه" الجواب:سنأخذ كمثال عن الحديث المتواتر حديثاً معروفاً عند العامة والخاصة،ألا وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"هذا حديث متواتر وعدد طرقه كثيرة،لكن الذي نقله إلينا شخص واحد ألا وهو ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى،يعني نحن أخذنا حديثاً متواتراً من شخص واحد لكنه ثقة ولم يبلغ عدد من معه حد التواتر! هذا رد مجمل على هذه المسألة،ومن أراد تفاصيل أكثر عن هذه المسألة ومن يقف وراءها،وحقيقة أهدافهم وتوجهاتهم وغاياتهم فليتفضل بمشاهدة هذا الرابط: http://www.albshara.com/showthread.php?t=19735 كل ما سبق منهج الكثير من الفرق الضالة،لكن أشهر من اتبعه هم المعتزلة وخلفهم الذين يتسمون بالعقلانيين. 4 – رفض ومخالفة السنة النبوية المطهرة. 5 – قولهم بأن القرآن ظاهر وباطن،ومثاله قول الرافضة بأن "اللؤلؤ والمرجان"في سورة الرحمن هما الحسن والحسين رضي الله عنهما،وأن الكوثر هي فاطمة رضي الله عنها. 6 – قولهم بأسلوب التصنيف،وهو على سبيل المثال قول الرافضة بأن آيات الكفر في أعداء ولاية علي رضي الله عنه وأرضاه،وآيات الإيمان نزلت في شيعته. لأن الأسباب الثلاثة الأخيرة خاصة بالرافضة أكثر من غيرهم. 7 – التوسع في الإشارات والتلميحات والترميزات والغلو فيها. 8 – عدم وجود أصول وقواعد للاستنباط،و بعبارة أوضح،إهمالها وعدم الاهتمام بتعلم العلم الشرعي صحيحه أو حتى سقيمه. 9 – عدم العناية بصحة السنة المطهرة ،وتمييز صحيحها وسقيمها،ومنهجنا نحن أهل السنة والجماعة قائم على الأخذ بالصحيح والحسن وترك ما سواهما مطلقاً في الأخبار والأحكام والعقائد،ولتفصيل هذه المسألة ننصح بالدخول إلى هذا الرابط: http://www.a7babfealah.com/vb/showth...2105#post12105 10 – اعتقاد المعاني وافتراضها قبل البحث عنها،يعني دون تجرد وإنصاف وإخلاص،لكن فقط لتتماشى مع الأهواء. والانحرافات الأربعة الأخيرة خاصة بالصوفية أكثر من غيرهم. وما كان من توفيق وسداد وصواب فبفضل من الله وحده لا شريك له،وما كان من خطأ أو تقصير أو نسيان فمني ومن الشيطان،والله ورسوله صلى الله عليه وسلم منه براء. وجزاكم الله خير الجزاء وأحسنه في الدنيا والآخرة على حسن المتابعة وحياكم الله ،وجمعني وإياكم في الفردوس الأعلى. وصلى الله على نبينا محمد،وعلى آله وصحبه وزوجاته أمهات المؤمنين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليماً كثيراً. سبحانك اللهم وبحمدك،أشهد ألا إله إلا أنت،أستغفرك وأتوب إليك.