موضوع: (الحياة السعيدة)/للعلامة"الفوزان" الخميس يوليو 05, 2012 1:43 am
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابهِ أجمعين.. أما بعد... فإن عنوان هذه الكلمة هو"الحياة السعيدة"،أو" الحياة الطيبة،لا شك إن كل أحد يطلب الحياة السعيدة، والحياة الطيبة،ويريدها ولكن الشأن فيما يحقق هذا المطلب،والأسباب التي تؤدي إليه، هذا محل الاختلاف بين بني البشر ، فمن الناس من يرى أن الحياة السعيدة والحياة الطيبة أن ينال الإنسان من ملذات الدنيا وشهواتها، وأنْ يُعطى ما يطلب من مُتع الحياةِ الدنيا، يرى أنٌ هذا هو الحياة السعيدة والحياة الطبية ، ولذلك قال الله جلٌ وعلا : (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (البقرة:200) قال سبحانه وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)؛ (آل عمران:14) قال الله جلٌ وعلا: (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ*قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)؛ (آل عمران: -15-14) قال تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ ) (الرعد: 26) ؛ وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَتنا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ (يونس:10-9-8-7).
فهذا الصُنفْ من الناس قاصر النظر لأنه قصر نظره على هذه الحياة، وظن أنها هي مناط السعادة والحياة الطيبة في شهواتها ومتاعها،فأُغريَ بها وقصر همته عليها إما لأنه لا يُؤمنُ بالآخرة ،وإما أنهُ يؤمنُ بها ولكن شغلته الدنيا عنِ العملِ لها،فالحاصل أن هذا خاسر وحياتهُ تعِسةٍ مهما أوتيَ من الأموال والمُتع والملذات فإن هذا استدراجٌ من الله، ومتاعٌ قليل ثم يُعْقِبهُ حسرةٌ دائمة قال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)؛( التوبة:55)
فالدنيا يُعطيها الله من يُحب ومن لا يُحب كما في الحديث الصحيح عنِ النبي "صلى الله عليه وسلم" إنه قال: (إن الله يُعطي الدنيا من يُحب ومن لا يُحب، ولا يُعطي الدين إلا من يُحب)؛ وقال: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربةَ ماء).
وكان عيشُ النبي "صلى الله عليه وسلم"وهو سيدُ المرسلينِ وإمامُ المتقين، كما تعلمون أنه "صلى الله عليه وسلم" كان يجوعُ حتى يربطُ الحجر على بطنه من الجوع، وكان يَنامُ على الحصير حتى يُؤثر في جنبه، "عليه الصلاة والسلام" .
وكان يُجاهد في سبيل الله ويُجالد ويتعرض للأخطار، وهو رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ولو أراد هذه الدنيا لأعطاهُ الله إياه، فالله عرض عليه أنْ يجعلهُ ملكاً رسولاَ كاداوود عليه السلام وسُليمان عليهما السلام ملكاً رسولاً،أو أنْ يجعله رسولاً ولا يكون ملكاً فأختار أن يكونُ رسولاً، وقال أجوع يوماً وأشبعُ يوماً أختار النبي "صلى الله عليه وسلم" هذا. لأن الدنيا متاعٌ زائل وغرورٌ،(وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغرور)، مهما أوتيَ الإنسان منها فإنه إما أن يزول ويتركها،وإما أن تزول وتتركهُ،إنما الحياةُ الباقية والحياةُ الطيبة والحياةُ الدائمة هي الدار الآخرة، قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)؛ (العنكبوت:64)
يعني الحياة الدائمة(لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) هذا الصنف من الناس ولذلك تجد الدنيا أكبر همهم، يرضون لها ويغضبون لها ويكدحون لها وينفذون أعمارهم في طلبها، وأما الآخرة فإنهم في إعراضٍ عنها أو قلةِ رغبةٍ للعملِ لها وإنْ كانوا يؤمنون بها،
ولهذا قال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)؛(الروم:7)
لا نقول أنٌ الإنسان لا يطلبُ الرزق، الإنسان لا يأكلْ مما رزقهُ الله،الله جلٌ وعلا قال: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)؛(الأعراف:31).
فلا بأسَ أن الإنسان يطلب الرزق الحلال، ولا بأسَ أن يتمتع بما رزقه الله من غيرِ إسراف ومن غيرِ مخيلة، وأعلى من ذلك كله أنْ يستعين بهِ على طاعة الله سبحانه وتعالى.
فيستعين بما رزقهُ الله على طاعة الله والدنيا مزرعةُ الآخرة وهي مطيةُ الآخرة،إنما الملوم هو الذي تكون الدنيا أكبر همه، ولا ينظر إلا إلى الدنيا، ولذلك هذا الصنفْ من الناس لا يُبالي بالحلال والحرام،لا يبالي من أين أخذ المال ومن أين اكتسبه، من حلالاٍ أو حرام هذا هو صاحب الدنيا ولهذا قال"صلى الله عليه وسلم" (تعسَ عبدُ الخميصة ،تعسَ عبدُ الخميلة إن أُعطيَ رضي وإن لم يُعطىَ سخِط)؛ فهذا جعل الدنيا مطلبه وأكبر همهْ ظنناً منه أن السعادة في تحصيلها.
الشاعر يقول:
لعمرك ما السعادة جمع مالٍ
ولكن التقي هو السعيدُ
فتقوى الله خير الزادِ ذخراً
وعند الله للأتقى مزيدُ
هذا صِنفْ؛ الصِنفُ الثاني طلبُوا خيري الدنيا والآخرة، لم يقتصروا على طلب الدعاء للآخرة وإنما طلبوا خيري الدنيا والآخرة،وَمِنْهُمْ (مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) "
فهم جمعوا في دعائِهم أنْ يؤتيهمُ الله من خيري الدنيا والآخرة، هؤلاءِ هم أهلُ السعادة والله جلُ وعلا قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؛ (النحل:97).
من عمل صالحاً والعمل الصالح هو :
ما اجتمع فيه شرطان:
الشرط الأول/ الإخلاص لله عز وجلْ فلا يكون فيه شركْ لا أكبر ولا أصغر،فإن كان فيه شرك فإن الله لا يقبله،ويردهُ على صاحبهْ؛كما في الحديث القدسي (إن الله جلٌ وعلا قال:أنا أغنى الشركاء عن الشركْ، من عملِ عملاً أشركَ معي فيه غيري تركته وشركَهْ.وفي روايةٍ(فهو للذي أشركْ وأنا منه بريء)؛ هذا الشرط الأول الإخلاص لله عزٌ وجل.
الشرط الثاني/المُتابعة للرسول "صلى الله عليه وسلم" فلا يكون فيه بدعة، ولا خُرافة وإنما يكون على وِفقِ سٌنةِ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى يكون عملاً صالحاً،فإن كان مُخالفاً لسنةِ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فهو عملٌ باطل ومردود. قال "صلى الله عليه وسلم"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ)؛ما ليس منهُ أحدثه هو ولم يأتي عن رسول الله"صلى الله عليه وسلم"وإن كان يستحسنه ويرى أنه خير وأنه...لا هو شر، من أحدث في أمرنا هذا يعني هذا الدين ما ليس منه فهو ردٌ،أي مردود عليه.وفي روايةٍ(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ).حتى ولو لم يُحدثه هو لكنه عمِل بهِ،أحدثهُ غيره فعمِل بهِ فهو مردود عليه سواءً هو الذي أحدثه أو أحدثهُ غيره و اقتدى به وتوارثه مع المُبتدعة فإن هذا مردود،لا ينفعُ صاحبه مهما اتعب نفسه فيه.
وهذانِ الشرطان الإخلاص والمُتابعة هما معنى أو من معنى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنٌ محمداً رسولُ الله .
فمعنى أن لا إله إلا الله: أنْ تُخلص له العمل وتَترك عبادة ما سواه. ؛
ومعنى أشهدُ أن محمداً رسولُ الله:أنْ تقر برسالته وأن تُطيعه فيما أمر وتترك ما نهى عنه "صلى الله عليه وسلم".ويجمعُ هذين الشرطين؛قوله تعالى: (بَلَى مِنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)؛(البقرة:112)
أسلم وجههُ لله: هذا الإخلاص، وهو مُحْسن: أي متبع للرسول"صلى الله عليه وسلم".
فإذا كان العملُ موافقاً لسنة الرسولِ "صلى الله عليه وسلم" لكنه ليس خالصاً لله فهو مردود وكذلك العكس إذا كان العملُ خالصاً لله لكنه مُخالفاً لسنة رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم". فهو مردودٌ أيضاَ.
ولهذا قال جلٌ وعلا: (الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً)؛(تبارك:2)
قال أيكم أحسنُ عملاَ ولم يقل أيكم أكثرُ عملاَ، لأن العبرة ليست بالكثرة العبرة بالحُسنْ أنْ يكون العملُ حسناً، أيكم أحسنُ عملاَ؛( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)؛(الكهف:7)
(فائدة) لم يقل أيهم أكثرُ عملاَ، الكثير إذا لم يكنْ حسناً فهو مردود، أيكم أحسنُ عملاَ قال.
سئُل الفضيل ابن عياض "رحمه الله": (قيل يا أبا علي أيكم أحسنُ عملاَ؟ قال:أخلصه وأصوبه).فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكنْ صواباً لم يُقبل،وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً، لم يُقبل حتى يكون خالصاً صواب.
بهذين الشرطين فهؤلاءِ الصفوة المُختارة همُ الذين عرفوا قدر الحياة الدنيا، وعرفوا أنها دارُ ممر، وأنها مزرعة للآخرة فاستغلوها في طاعة الله عز وجل.
قال الشاعر:
إن لله عباداً فُطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما راوها لُجةً جعلوا صالح الأعمالِ فيها سفنا
هذه الدنيا وقال"صلى الله عليه وسلم": (مالي وللدنيا إنما مثَلي ومثل الدنيا كمثلِ راكبٍ قال تحت ظلِ دوحة)،قال يعني وقت القيلولة (جلس تحت شجرة يستظل ويستريح وسط النهار ثم ذهب وتركها)،فالدنيا كذلك ليست دار قرار .
الله جل وعلا قال: (وإن الآخرة لهي دار القرار)؛( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) (غافر:39).
يقول مؤمن آل فرعون يقول لقومه: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ لهِيَ دَارُالْقَرَارِ)؛ (غافر:39).
هؤلاءِ همْ السعداء الذين عملوا الأعمال الصالحة،والأعمال الصالحة محلها هذه الدنيا،الآخرة ما فيها عمل ما فيها إلا جزاء ولذلك الكفار يتمنون إذا دخلوا النار أنهم يعودون للدنيا،من أجل أن يعملوا صالحاً، بل إذا حضر أحدهم الموت(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ **لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)،(المؤمنون: 100 -99) فهم إذا عاينوا اليقين وعاينوا الحقيقة عرفوا أنهم خسروا،فيتمنون الرجوع ولن يرجعوا إلى الدنيا هذا محال،فمحل العمل هو هذه الدنيا إذا فاتتك الدنيا ولم تعمل فيها فاتتك الآخرة، فتكون ممن خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين،(ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى)، (النحل:97)
لم يفرق الله بين الذكر والأنثى في الجزاء ولم يُفرقْ بينهم في الأعمال، الذكر والأنثى سواء إنما يفترق الذكر والأنثى في بعضِ الأحكام التي لا تنطبق على الأنثى، فجعل للرجال أعمالاً وصفاتٍ تنطبقُ عليهم وتليقُ بهم، وجعل للنساءِ أعمالاً دنيوية،أعمال الدنيا للنساء أعمال خاصة بهن فلا الرجال يتولون أعمال النساء ولا النساء تتولى أعمال الرجال في الدنيا، أما العمل للآخرة فكلهم سواء ،(ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) (النحل:97) بهذا الشرط لأن المنافق يعمل لكن غير مؤمن،عمله مردود وهو في الدرك الأسفلِ من النار، لأنه يتظاهر بالأعمال،(وإذا لقوكم قالوا آمنا) تظاهرَ بالأعمال يُصلي، ويصوم، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله لأجل أن يسلمَ على دمهِ ومالهِ ويعيش مع الناس ولكنه لا يؤمن في قلبه، ولهذا قال وهو مؤمن بهذا القيد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، (النحل:97)
هذا في الدنيا يحيى حياة طيبة لذيذة مطمئن القلب، ولهذا تجدون أهل الطاعة من ألذ الناس حياةً وأوفرهم راحةً، لأن الراحة راحة القلوب ما هي براحة الأبدان راحة القلوب فهم مُرتاحون في قلوبهم،يعيشون بذكر الله ويتنعمون بذكر الله عز وجل، ما هم بيتنعمون بالشهوات والملذات والنزهات و...الخ لا . يتنعمون بذكر الله هو نعيمهم، ولهذا يقولوا بعضهم إن كانوا أهل الجنة في مثلِ ما نحنُ فيه إنهم لفي عيشٍ طيب، لما يجدونه من الراحة والطمأنينة واللذة لذة العبادة ولذة الذكر في هذه الحياة
بينما الكفار ولو أُعطوا الدنيا كلها والملذات كلها فإنهم في شقاء وعناء لأن قلوبهم مُستوحشة والعياذ بالله،قلوبهم مستوحشة ووجهوهم مسودة،أما المؤمن فإنه يحيى حياةً طيبة في هذه الدنيا ،حياة طيبة على الإيمان وذكر الله عز وجل ويتلذذ بالطاعة ويأنس بالعبادة ،ولهذا يقول الآخر: أهلُ الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،قيل وما أحلى ما فيها؟،قال ذكرُ الله عز وجل. هذا أحلى ما في الدنيا، خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها،هذا حرمان والعياذُ بالله فلنحيينه حياة طيبة،في الدنيا بالعبادة ،والذكر، وطاعة الله عز وجل، والطمأنينة ،والإيمان، والنور ثم في الآخرة ،(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؛(العنكبوت:7).
يدخلون الجنة ويتنعمون فيها، نعيماً دائماً لا ينقطع كما ما يكن في الدنيا، ولا يخافون من عدو ولا يخافون من مرض، ولا يخافون من موت ولا يخافون من هرم ، ولا يخافون من فقر ولا يخافون من حاجة أبداً آمنون (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)؛ (سبأ:37) (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ )،(الحجر:46)
(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(العنكبوت:7). هذه هي الحياةِ الطيبة ولكنها تحتاجُ إلى إيمان ،تحتاجُ إلى علمٍ وبصيرة،وتحتاجُ إلى صبر وثبات،حتى يطمئن الإنسان فلا تزحزحهُ العواصف ،لا تزحزحه العواصف والفتن بل يكون ثابتاً، ثبات الجبال إن أنعم الله عليه شكر وإن ابتلاهُ صبر، فهذا هو المؤمن.وفي الآخرة ينال النعيم الدائم واللذة التي لا تنقطع،ويأمن من جميع المخاوف والمكدرات،تذهب الشحناء من قلوبهم ويكونون إخوةً،إخوةً على سرر متقابلين ،ليس في قلوبهم غلْ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)؛(الحجر:47)
هكذا أهل الجنة وهذه هي الحياة الطيبة والحياة السعيدة،فإذا كنت تُريد الحياة الطيبة والحياة السعيدة فعليك بالعمل الصالح،مادمتَ على قيدِ الحياة لا تشغلك الدنيا بملذاتها وشهوتها وأطماعها، بل اطلب من الدنيا ما يُعينك على طلب الآخرة،ولا تنشغل بالدنيا وتكون الدنيا أكبر همك، خذْ منها ما يكفيك ويُعينك على طاعة الله سبحانه،واجعل وقتك وحياتك للعمل الصالح، والله جل وعلا أمرنا بطلب الرزق وأمرنا بالعبادة،فقال جل وعلا: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؛(العنكبوت:17) وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)؛(الجمعة:10 -9) قال إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة،أما قبل النداء فاطلب الرزق في السوق،في المتجر،في المزرعة،في الوظيفة،في أي مكان اطلب الرزق، فإذا أذن المؤذن اترك الشغل الدنيا واذهب إلى المسجد، فإذا قضيت الصلاة فلا تجلس في المسجد وتترك طلب الرزق، لا تجلس في المسجد وتترك طلب الرزق الحلال، فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله"يعني الرزق"(واذكروا الله كثيراً) لا يكون أيضاً طلب الرزق شاغلٍ لك عن ذكر الله، بل اطلب الرزق واذكر ربك بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، فتجمع بين الحُسنيين(وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)؛(الجمعة:10) هذا فيه أن المُسلم يعمل لدنياه ويعمل لآخرتهُ، لكنه لا يطغى عمل الدنيا على عمل الآخرة، ولا يطغى عمل الآخرة على عمل الدنيا،بل يوازن بينهما فيجعل لهذا وقتاً ولهذا وقتاً آخر، وفي الآية الأخرى قال الله جل وعلا: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ(36) رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ(37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ(38)؛ (النور)
قال لا تُلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله،لم يقل لا يبيعون ولا يشترون بل قال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع، فدل على أنهم يُتاجرون ويبيعون ويشترون لكن إذا أذن المؤذن أوقفوا العمل وأقبلُ على الصلاة، فإذا فرغوا من الصلاة عادوا لطلبِ الرزق،
وُجد من الأشقياء الآن من يقول ليه تغلق الدكاكين وقت الصلاة؟ليش تعطل الأعمال وقت الصلاة؟ ولا يقرأ هذه الآية أو هذه الآيات، في أنه إذا جاء وقت الصلاة يجب تعطيل الأعمال، وإيقاف الأعمال والإقبال على الصلاة، فإذا انتهت الصلاة فيرجع كلُ عاملٍ إلى عمله، فيجمع بين خيري الدنيا والآخرة،( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)؛هذا جزاءهُ في الدنيا،(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ)،(النحل:97) في الآخرة. فالدنيا دار عمل ومن أفلس من العمل في الدنيا أفلس في الآخرة من الجزاء،ومن عملِ صالحاً في الدنيا نال الجزاءُ في الآخرة،فجمع الله له حسنة الدنيا وحسنة الآخرة،وكان من الذين يقولون(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)؛ (البقرة:102) هؤلاءِ همُ السعداء وقد قال الله جل وعلا في أيةٍ أخرى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ،(يونس:62).
هؤلاءِ أولياءُ الله،أولياء الله لا خوفٌ عليهم مما هم مُقْبِلون عليهم من أمورِ الآخرة من القبر وما بعده لا خوفٌ عليهم هذا تطمينٌ لهم ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا أو يحزنون على أولادهم وذرياتِهم التي تركوها، يخافون عليهم من الفقر، الله تكفل لهم،"لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون" في الدنيا والآخرة ، لكن من هم؟ هذه هي الحياة السعيدة، لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، هذه هي الحياة السعيدة. فالحياة السعيدة: هي التي لا خوفٌ فيها ولا حزن، وين هي؟ بينها الله في قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ،(يونس:64) (فمن رُزق الإيمان والتقوى لله فهذا من أولياءِ الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). الذين آمنوا بالله،ورسله، وكتبه، واليومِ الأخر، وآمنوا بالقدر خيره وشره، وأدوا الأعمال الصالحة، لأن الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد، قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛هذا هو الإيمان. الذين آمنوا فجمعوا بين أركان الإيمان في القلوب ،وأركان الإيمان على الجوارح، جمعوا بين الإسلام والإيمان. الإسلام:أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة،وتصومُ رمضان،وتحج البيت إنِ استطعت إليه سبيلاَ. والإيمان:أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الأخر، و تؤمن بالقدر خيرهِ وشره. فلابد من الجمع بين الإسلام والإيمان، هؤلاء (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)،يتخذونه وقاية من غضب الله،يتقون يعني يتخذون وقاية من غضب الله وعذابه. وما هي الوقاية؟ هل هي الدروع والحصون والجنود؟ ،أو الثياب؟ لا، الوقاية العملُ الصالح ،الوقاية العمل الصالح، وتقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله،ترجوا ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله، تخافُ من عقاب الله؛ هذي هي التقوى. "سُميت تقوى لأنها تقيك من غضب الله،وتقيك من العذاب" هذه هي التقوى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
ما هي حياتهم؟ قال: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ)؛(يونس:64) يُبشرهم الله جل وعلا بالجنة والنعيم المقيم في الدنيا وفي الآخرة،يُبشرهم بالجنة والنعيم المقيم لهم البشرى في الحياة الدنيا. شوف هذه هي الحياة السعيدة،لهم البشرى فهم مستبشرون، فرِحون بنعمة الله عز وجل (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)؛(يونس:58). "قل بفضل الله بدينِ الإسلام،وبرحمته أي القرآن، فبذلك فليفرحوا هو خير من الدنيا،خير مما يجمعون"، ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)؛(يونس:64) الله جل وعلا إذا قال قولاً فلابد من وقوعه، لا يبدل ولا يُغير،لا يبدل إذا وعد فإنه لا يُغيرُ وعده ولا يُخلفُ وعدهْ سبحانه،أما إذا توعد فإنه قد يعفو، وقد يُنفذ الوعيد،قد يعفو عن المسلم ويغفر له ذنوبه، وقد يعذبه بها وإني وإن أوعدتُه أو وعدتهُ، فإن وإن أوعدتهْ يعني هذا الوعيد،أو وعدتهْ هذا الوعد،لمُنجزُ إيعادي ومُخلفُ موعدي يعني الوعيد فالله جل وعلا قد يُخلفهُ ويغفر، يغفر للمؤمن، لمُخلفُ إيعادي تصحة البيت لمُخلفُ إيعادي "يعني الوعيد"، ومُنجزُ موعدي "هذا الوعد"،والله جل وعلا لا يُخلف وعدْ، إذا وعد مسلماً بالجنة،وعده بالخير وهذا المسلم وفا لله عز وجل، واستقام فإن الله لا يُخلف وعده يعطيه ما وعده. أما إذا توعد العاصي الذي معصيته دون الشرك فهذا قد يُخلف وعيده، وقد يغفرُ له ويمحو عنه سيئاتهْ فضلاً منه وإحساناَ، فالحاصل أن الحياة السعيدة ليست بكثرة الأموال، ووفرة الرزق، والمظاهر البراقة،ليست بالملذاتِ والشهوات، وإنما السعادة والحياة السعيدة بتقوى الله، والعمل الصالح، وفعلِ الخير، واستغلال الحياة الدنيا فيما يقربُ إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الموعدَ قريب والأجل سينتهي، وعليك أنْ تتذكر هذا فلا تغرك الحياة الدنيا، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)،(لقمان:33) الحياة الدنيا عرفناها لكن الغرور ما هو؟ الشيطان لعنه الله، غرور كثير الغرر لبني آدم يخدعهم ويشغلهم عن طاعةِ الله عز وجل، فلا تغتر بوساوس الشيطان وتخذيل الشيطان وإرجافه وليس المراد شيطان الجن فقط هناك شياطين الإنس أيضاَ، وهم دُعاة السوء ودعاة الضلال، فلا تلتفت إليهم، الشيطان وجنوده احذرْ الشيطانَ، وجنودهُ من الجنِ والإنس، وكن مع الملائكة والرسل ومع المؤمنين،قال تعالى وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا)؛(النساء:69) كذلك يحسب بعض الناس أن الحياة السعيدة أن يوفر في بيته الفضائيات المرئية والمسموعة، ويستمع لهذا ويستمع لهذا ويروح عليه الوقت،ويسمع من الشر أكثر مما يسمع من الخير،أو لا يسمع الخير أبداً ولا ينظر في الخير إنما يسمع للشر وينظر إلى الشر، فيعتبر هذا أنهْ من الحياة السعيدة، وهو الدمارُ والخراب والعياذ بالله، ودعاة الضلال غزوا المسلمين في هذه الوسائل فعلينا أنْ نتنبه لها لئلا تكون حياتنا تعسة، حياتنا شقية لأن هذه الأمور تقلب الحياة من السعادة إلى الشقاوة،ومن الخيرِ إلى الشر، وهذا ما يريده الشيطان وأعوانه فعلينا أن نحذر من هذه الأمور، ونشتغل بذكر الله ونعمر بيوتنا بطاعة الله،ونربي أولادنا ونسائنا على طاعة الله،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)؛(التحريم:6). فنزه بيتك وطهر محلك من هذه الوسائل الشريرة،التي تدعوك إلى النار، الشيطان وأعوانه يدعون إلى النار،والله يدعو إلى الجنة(أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ والمغفرة بإذنه)؛(البقرة:221) فهم يدعون إلى النار بأعمالهم ودعايتهم،والله جل وعلا يدعو إلى الجنة، فمع من تذهب مع دعوة الكفار والشياطين أو مع دعوة الله سبحانه وتعالى. *اختار لنفسك مادمت تدعي أنك عاقل، وأنك مفكر، وأنك كامل التصرف انظر لنفسك هل أنت تُجيب دعوة الله، أو تُجيب دعوة الشيطان؟ تذهب إلى المسارح وإلى المراقص وإلى دور الشر، أو تذهب إلى المساجد وإلى بيوتِ الله عز وجل انظر نفسك أيها المسلم ففي يوم القيامة، تُعطى كتابك،تُعطى كتابك الذي أمليته في هذه الدنيا من خير أو شر،
نفعنا الله وإياكم بهدي كتابه وإتباع رسوله،وجعلنا حياتنا حياةً طيبة سعيدة بطاعته والإيمان به وإتباع رسوله ووقنا الله وإياكم شر الحياة التعِسة النكدة ،الخاسرة وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
شكر الله لفضيلتكم على هذه الكلمات القيمة وجاء الآن دور الأسئلة. السؤال الأول يقول: فضيلة الشيخ وُجدت في الآونة الأخيرة كثيرٌ من شركات التأمين وأعلنت عن المُساهمةِ في أسهمها فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ ج: بسم الله الرحمن الرحيم،الرسول "صلى الله عليه وسلم" قال: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات،لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشُبهات فقد استبرأ لدينه وعرضهِ،ومن وقع الشُبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى يُوشكُ أن يرتع فيه،ألا وإن لكل ملك حِمى ألا وإن حمى الله محارمه،ألا فإن في الجسد مُضغه إذا صلحت صلح الجسدُ كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فبين "صلى الله عليه وسلم" أن الحلال بين فالحلال يؤخذ، وبين أن الحرام بين وما حرمه الله ورسوله. الحرام يُترك، وأما المُشتبه الذي لا يُدرىَ هل هو حلال أو حرام فإنه يُجتنب حتى يتبين أمره من باب الاحتياط، من باب الاحتياط وتجنب الشبهة، لا يسلم المؤمن إلا إذا جعل هذا الحديث ميزاناً له، ومنهجاً له يسير عليه في مكاسبه، وتجارته وطلبه للرزق،والتأمين يجمع أموراً باطلة، يجمع الربا، ويجمع القمار والميسر، ويجمع الغرر، ويجمع أكل أموال الناس بالباطل فعليك أن تتجنبه،التأمين التجاري كلهُ حرام،قد صدرت منه قرارات من هيئة كبار العلماء بتحريمه،فعلينا أنْ نتجنبه وأنْ نتوكل على الله ونطلب الحلال والرزق من فضله، ولا نعتمد على هذه الشركات التي كثُرت دعايتها وإغراءاتها، لا تغركم هذه الدعايات وهذه الأمور، اطلبوا الرزق الحلال الواضح البين، وتجنبوا المُشتبه حتى تسلم لكم ذمتكم، ويطيب لكم عيشكم، وتكونون من السعداء في هذه الحياة وفي الآخرة.
س2:يقول السائل يتساهلُ كثيرٌ من الآباء في إيقاظ أبنائهم لصلاة الفجر رغمَ أنهم من البالغين فما توجيهُ فضيلتكم لأوُلئك؟ ج:هذا أمرٌ حرام،وهؤلاءِ يتحملون أوزار هؤلاء الأولاد الكبار الذين لا يخرجون للصلاة،ويخرج والدهم ويُصلي وهم نيام،هم في ذمته ماداموا في بيته فهو رعيته،وفي ذمته قال اللهُ جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجارة)؛وقال النبي"صلى الله عليه وسلم": (والرجل راعٍ في أهلِ بيته ومسؤول عن رعيته)؛قال "صلى الله عليه وسلم" (مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين،واضربوهم عليها لعشر،وفرقوا بينهم في المضاجع)؛ أنت المسئول أنت وأمهم أنتم المسئولون عن الأولاد،لا تخرج وهم نيام على فراشهم،إن كانوا صغاراً أو مُراهقين عليك بضربهم حتى يُصلوا، وإن كانوا كباراً بالغين وتمردوا عن الصلاة فأخرجهم من بيتك، ولا تتركهم يسكنون معك لأنهم أصبحوا بالغين ويتصرفون لأنفسهم، يدبرون أمورهم وتسلم أنت من شرهم.
س3:يقول السائل ظهرت في الآونةِ الأخيرة كثيرٌ العباءةِ المطرزةِ، والمزركشةِ، والضيقةِ، وغيرها وعندما ننصح من يلبسونها يُجبون بأن المهم أنها تستر البدنَ فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ ج:ليس المراد أنها تستر البدن فقط في العباءة، بل لا بد أن تكون خالية من الزينة،فإذا كان فيها زينة صار هذا من التبرج،الله جل وعلا قال: ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)؛ والتبرج :هو إظهار الزينة في الأسواق،فالمقصود بالعباءة هو الستر والخلو من الزينة،الخلو من الزينة أي إذا كان فيها زينة أو تطريز فإنها لا تجوز أبداً .
س4:تقول السائلة نعاني نُحن البنات من كثيرٍ من الآباء لأنهم يؤخرون تزويجنا بحجة إكمال الدراسة، أو الاستيلاء على مرتب البنت بعد توظيفها،حتى كثرت العوانس في البيوت فما توجيه فضيلتكم في ذلك؟ ج:على الآباء أن يتقوا الله عز وجل،وأن يزوجوا بناتهم إذا تقدم لهن خاطبٌ كفؤ،قال"صلى الله عليه وسلم": (إذا أتاكم من ترضون دينهُ وأمانتهْ فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير)؛ والله جل وعلا قال: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)؛فأوجب سبحانه على الأولياء أنْ يزوجوا من يحتاج للتزويج من أولادهم وبناتهم،إذا جاء البنت خاطب كفؤ فإنه يُزوجها ولا يُفوت عليه لأن فرصتها وسعادتها في الزوج الصالح،فإذا جاء فليُزوجها بهِ،ليست سعادة البنت بالشهادة، أو الدراسة،أو المرتب إذا فاتها الزواج ليس المُرتب والشهادة والدراسة عوضٍ عن الزوج الصالح،فعليكم أن تُبادروا بتزويج بناتكم، ولا تؤخروهن والله جل وعلا قال: (ولا تَعضلوهن) والعضل كبيرة من كبائر الذنوب. ما هو العضل؟العضل:هو أن يمنع مولِيته من خاطب رضيت بهِ، من خاطب كفؤ، .
س5:يقول السائل أُريد أن أُدخل القنوات الفضائية إلى بيتي لمتابعةِ الأخبار مع الحرصِ على عدم مشاهدةِ الأبناءِ لها؟ ج:يا أخي لا تجر على نفسك شر،أنت في الأول تتحفظ يمكن لكن مع طول الاستعمال تتساهل حتى تكون مُتاحة لأولادك ، والأخبار يا أخي تحصل عليه بدون الفضائيات، تحصل عليها من الراديو، تحصل عليها من التلفزيون السعودي،أما الفضائيات ففيها شر وشرُها كثير، وأن كان فيها خير فهو قليل جداً ،بل بعضها خالص للشر هل بعد القنوات السحرية التي تبُث السحر هذي فيها خير؟ وقد أدخلها بعض الناس في بيوتهم مع الأسف ،فعليكم أن تتجنبوا هذه الفضائيات أن تحذروا منها.
س6:يقول السائل عند قيام شركةٍ من الشركات، أو بنكٍ من البنوك بطرحِ أسهمهِ أو أسهمها للاكتتاب فهناك تصدر فتاوى متعالمة أحدُها يقول بالجواز، والثانية بالحرمة فما موقف المسلم من هذه الفتاوى؟ ج:الموقف العمل بالحديث الذي سمعته،الحلال البين يؤخذ، والحرام البين يُترك، والمُتشابه يتوقف، يُتوقف فيه خلها على الأقل مُتشابهة، تجنبها يا أخي واطلب الرزق من الأمور الواضحة،البيع والشراء في الأراضي، في العقارات، في الأقمشة،في الأطعمة،في السيارات،يعني واجد المجالات الطيبة التي ليس فيها شك،اتركْ المشكوك فيه .
س7:يقول السائل أنا رجل أمن، وأحياناً نقبض على أشخاص معهم مخدرات، أو هم أشخاصٌ مطلوبين في قضايا مخدرات فيُشير علينا بعض الزُملاء أن نُخلي سبيلهم،بحجةِ لعل الله أن يهديهم فهل يجوز هذا العمل؟ ج:هذا خيانة والعياذ بالله،إذا مسكتُم المجرم الذي ينشر الشر في المجتمع فلا تُطلقوه، إذا أطلقتموه شجعتموه على الإجرام وعلى نشر الشر، وتجرأ غيرهُ والأمانة تقتضي إنكم إذا أمسكتموه أنكم تسلمونه للسلطة، يعني هذا عملكم فهذا الذي يقول هذا الكلام إما جاهل وإما مُخذل فلا تلتفوا إليه.
س8:تقول السائلة ما حكم تشقير الحواجب أو أخذ شيءٍ منها؟ ج:الحواجب يجب تركها، وعدم العبث فيها كما خلقها الله، فإن غيرت منها شيء فهي من المُغيرات لخلق الله،الذي تكفل الشيطان أن يأمر بني آدم به(وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) فالمرأة تتقي الله وتترك حواجبها لا تعبث فيها، لا بتشقيرٍ، ولا بنتفٍ، ولا بحلقٍ، ولا بغيرِ ذلك تتركها على خلقتها وهي جميلة ولله الحمد،الحواجب جميلة ما فيها تشويه ولا تشويش.
س9:يقول السائل ما توجيهكم لمن يتأخر عن الإتيان للمسجد إلا مع الإقامة أو بعدها؟ ج:هذا محروم،هذا محروم،المفروض إنه يتقدم للمسجد ويؤدي تحية المسجد،ويجلس يذكر الله، أو يقرأ القرآن، وينتظر الصلاةْ،فيكون مع المرابطين في سبيل الله عز وجل قال"صلى الله عليه وسلم" (ألا أدلكم على ما يمحو الله بهِ الخطايا، ويرفع بهِ الدرجات،قالوا:بلى يا رسول الله،قال:إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرتْ الخُطى إلى المساجد،وانتظار الصلاةِ بعد الصلاة،فذلكم الرباط،فذلكم الرباط.)؛فينتظر الصلاة ليحصل على الأجر، والمسلم في صلاة ما دام ينتظر الصلاة فإنه في صلاة، يعني يكتب له أجر المصلي وهو جالس فلماذا تحرم نفسك من هذا الخير،وتبقى إلى أن تُقام الصلاة؟!،فالمرة الأولى تبقى إلى أن تُقام الصلاة، وفي المرة الثانية تبقى إلى أن يذهب أول الصلاة،في المرة الثالثة تبقى إلى أن يجلس الإمام للتشهد الأخير،في المرة الرابعة تبقى إلى أن تفوت الصلاة،لا تفتح لنفسك باب الكسل والتأخر،بادر إلى الصلاة يا أخي.
س10:يقول السائل ما حكم القصر والجمع في مسافةٍ تزيد على الثمانين كيلو مع العلم أننا رجعنا في نفس اليوم؟ ج:نعم في الذهاب والرجوع إذا كنتم تعلمون أن المسافة تبلغ ثمانين كيلو فأكثر ففي الذهاب والمجيء تقصرون الصلاة وتجمعون لأن هذا سفر.
س11:يقول السائل ما حكم استعمال حُقن تزيلُ أثار الكبرِ عن الوجه؟ ج:تصنع هذا،يعني حقن إبر تزين الوجه وتزيل آثار الكبر،الكبر ما هو بزائل، ولو تصنعت، الكبير كبير، لكن عليك بتقوى الله عز وجل، والعمل الصالح، وسؤال الله حسن الخاتمة، أما الكبر ما هو زائل لو عملت ما عملت، لو سودت لحيتك بالسواد، لو ضربت الإبر التي تزيل الآثار الكِبر هو ما يزول.
س12:يقول السائل فضيلة الشيخ من أراد العمرة ثم ترك ميقات أهل المدينة وهو في طريقة، ثم ذهب إلى الطائف وبقي فيها يومين،ثم أحرم من السيل وأدى العمرة فهل عمرته صحيحة؟ ج:من جاء على أحدِ المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة فإنه لا يأتي إلا وهو مُحْرم، فالذي جاء على ميقات أهلِ المدينة ذاهباً إلى مكة وهو يريد الحج أو العمرة فإنه يُحرم من ميقات أهلِ المدينة، ولا يذهب إلى الطائف ثم يُحْرم من الطائف، لأن ميقاته ما هو بالطائف ميقاته ميقات أهل المدينة فيُحرم منه، فإذا أدى العمرة إن بقى يذهب إلى الطائف بكيفه، أو يذهب إلى الطائف وهو محرم فلا بأس، أما أنه يؤخر الإحرام هذا لا يجوز ويكون عليه فديه،يكون عليه فدية لأنه ترك واجب من واجبات الحج أو العمرة وهو الإحرام من المِيقات فيكون عليه فدية.
س13:يقول السائل هل تسقط فاتحةُ الكتاب عن المأمومين في الصلاة الجهرية؟ ج:الأحوط إنهم يقرؤونها إذا تمكنوا،أما إذا لم يتمكنوا فتكفي قراءة الإمام.
س14:يقول السائل كان لدي خدم وقد سافروا وبقي لدي مبالغُ لهم ولا أعرف عنواناً لهم فبماذا أتصرف؟ ج:تنتظر، تنتظر حتى يطلبوا منك هذه المبالغ،إما أن يحضروا ويأخذوها، أو يطلبوها من طريق مندوب لهم يأتي، أو من طريق البنك فأنت تنتظر حتى يطلبوها هم تكون أمانة عندك .
س15:يقول السائل كثر في الآونةِ الأخيرة الشعراء الذين يتعصبون لقبائلهم ويُشيدون بهم ويُشيدون بها ويعيبون على القبائل الأخرى فما نصيحتكم لهؤلاء؟ ج:هذا لا يجوز، لا يجوز انتقاص الناس وانتقاص القبائل الأخرى، لا يسخر قومٌ من قوم،(يأيها الذين آمنوا لا يسخرْ قومٌ من قوم*عسى أن يكونوا خيراً منهم)؛ فلا يجوز تنقص الناس،إنك تمدح قبيلتك من غير افتخار لا بأس، أما أنك تتنقص الآخرين هذا أمرٌ لا يجوز.
س16:تقول السائلة توفى زوجي وأنا حامل ولدي مواشيٍ ليس هناك من يرعاها فهل يجوز لي الخروج لرعايتها؟ ج:إذا لم تقدري على جعل راعي يرعاها فلا بأس من الخروج للحاجة، يكون في النهار خاصة،نعم أما في الليل فتبيتين في المنزل الذي توفي الزوج وأنتي فيه.
س17:يقول السائل ما حكمُ الأناشيد الإسلامية التي يكون فيها مؤثراتٌ صوتيه؟ وما رأيكم فيمن يمتهن الإنشاد؟ ج:الأناشيد نوع من الأغاني، والأغاني حرام فإذا كنت تريد الموعظة وتريد التذكير فعليك بذكر الله، وتلاوة القرآن، والسماع لتسجيلات القرآن، والاستماع للمواعظ، والمحاضرات، والخطب، أما الأناشيد فهي من الأغاني، نوع من الأغاني يتلذذ بها السامع لا أقل ولا أكثر .